قوله جلّ ذكره: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلا وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً}.أي: هَيَّأْنا لهم سلاسلَ يُسْحَبون فيها، {وَأغْلاَلاً} لأعناقهم يُهانون بها، {وَسَعِيراً}: ناراً مستعرة.{إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً}.قيل: البَرُّ: الذي لا يُضْمِرُ الشَّرَّ، ولا يؤذي الذَّرّ.وقيل: {الأَبْرَارَ}: هم الذين سَمَتْ هِمَّتهُم عن المستحقرات، وظهرت في قلوبهم ينابيع الحكمة فاتّقوا عن مُسَاكنةٍ الدنيا.{يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ} رائحتها كرائحة الكافور، أو ممزوجة بالكافور.ويقال: اختلفت مشاربهُم في الآخرة؛ فكلٌّ يُسْقَى ما يليق بحاله , وكذلك في الدنيا مشاربهُم مختلفة؛ فمنهم مَنْ يُسقَى مَزْجاً، ومنهم من يُسقَى صِرْفاً، ومنهم من يسقى على النُّوَب، ومنهم من يُسقى بالنُّجُب ومنهم من يُسْقى وحدَه ولا يُسقي مما يُسقى غيره، ومنهم مَنْ يسقى هو والقوم شراباً واحداً وقالوا:إن كنت من ندماي فبالأكبر اسْقِني *** ولا تَسْقِني بالأصغر المتثلموفائدة الشرابِ- اليومَ- أن يشغلهم عن كل شيءٍ فيريحُهم عن الإحساس، ويأخذهم عن قضايا العقل.. كذلك قضايا الشراب في الآخرة، فيها زوالُ الأرَبِ، وسقوطُ الطلبِ، ودَوَامُ الطَّرَب، وذَهَابُ الحَرَب، والغفرة عن كلِّ سبب.ولقد قالوا:عاقِرْ عقارك واصْطبِحْ *** واقدَحْ سرورَك بالقَدحَواخلع عذارك في الهوى *** وأَرِحْ عذولَك واسترحْوافرَحْ بوقتِك إنما *** عُمْرُ الفتى وقتُ الفَرَحقوله جلّ ذكره: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً}.يُشَقَّقونها تشقيقاً، ومعناه أَن تلك العيون تجري في منازلهم وقصورهم على ما يريدون. واليومَ- لهم عيونٌ في أسرارهم من عين المحبة، وعين الصفاء، وعين الوفاء، وعين البسط، وعين الروح.. وغير ذلك، وغداً لهم عيون.